Skip to content
لمحة تاريخية

التابلاين | تحول غير مفاهيم الصحراء

26 مايو، 20203 second read

ترجلوا من على ظهور إبلهم، ألقوا عصيهم التي كانوا يهشون بها على أغنامهم واقتفوا خطى «التابلاين», لعلهم وجدوا به مآرب أخرى.. حضارة, ومعاش, وثقافة, على ما يبدو أنها راقت للكثيرين منهم فأداروا ظهورهم للصحراء، للغيمة الحبلى على رؤوس الجبال وسفوح التلال وللريح التي تذروا أوراق الأشجار والأعشاب, تركوا المراعي.. واتجهوا نحوا ثقافة جديدة, لباس جديد, ومشرب, ومسكن يسمونه «الكمب»، ولغة يسمونها «إنجليزية» وبدلوا أشعارهم وقصائدهم بمشاهدة أشرطة الفيديو والسينما في وسط الصحراء الشمالية على امتداد طريق التابلاين ثقافة مختلفة تشكلت على دروبها مدن صغيرة كل ما حولها قفار لا ترى فيها سوى أخفاف الإبل وخطى أقدام العرب..

الدكتور ابراهيم المنيف رحمه الله ذكر في كتابه (النفط..الطفرة.. الثروة) «أن تفاصيل الحياة في محطات التابلاين في رفحا وعرعر وطريف قبل خمسين عامًا كانت أفضل بكثير من العيش في جدة والرياض وقال عن هذه المدن الشمالية بأنها عبارة عن مدن أمريكية مصغرة بشوارعها كأنها في أي مدينة صغيرة بولاية تكساس في التحديد». كل ما كان في «البيب» سر مدفون في ذاكرة «البيب» قلة قليلة من الذاكرة المحلية التي عاصرت هذا «التحول العظيم» الذي غير المفاهيم في ثقافة الصحراء يعيش بيننا اليوم. «الثقافية» في هذه المادة «الثقافية» تسلط الضوء على جانب تحول المشهد الثقافي والتشكل الحياتي وبداية التحول الفكري لمجتمعات لا تؤمن بمجرد قبول فكرة التمرد على النمط الجمعي للثقافة العرفية والقبلية والأداب المحلية قبل بضعة عقود هناك من قاد مشهد هذا التحول بمجرد إلقائه للعصى والسير عبر «خط التابلين»

أكد الكاتب والباحث التاريخي سعد فريح اللميع مؤلف كتاب «التابلاين وبداية التحول في عرعر» أن أهل الشمال مدينون من الناحية التنموية لشركة التابلاين أو (البيب) كما يحلو لهم تسميته، فالخدمات والإغراءات التي قدَّمتها الشركة دفعت الكثيرين منهم إلى الاستقرار، وأن يُلقوا عصا الترحال ويهجروا حياة البادية إلى حياة جديدة بكل المقاييس العصرية، لم يكن أسلافهم قد عاشوها. تحولات فكرية وثقافية جذرية نقلتهم من حياة الهجير والصحراء اليباب وسمومها، ومطاردة السراب ومواقع السحاب إلى حياة أكثر استقرارًا؛ إذ دلفوا للحضارة من أوسع أبوابها، متفيئين بنعيم ظلالها الوارف، أيضًا هذه الخدمات دفعت الكثير من مختلف مناطق المملكة إلى الهجرة إلى الشمال.

بدأت الحكاية في أواسط الأربعينيات الميلادية من القرن الماضي بعد اكتشاف النفط بكميات هائلة بشرق المملكة، ووافق هذا الاكتشاف نهاية الحرب العالمية الثانية (1945م)، وقرار إعادة إعمار أوروبا بعد الدمار الهائل الذي خلفته هذه الحرب.

وبتوصية من شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) صاحبة الامتياز بالتنقيب والبيع، وافق جلالة الملك عبدالعزيز – رحمه الله – على إنشاء خط الأنابيب؛ لنقل النفط من شرق المملكة إلى البحر المتوسط.

ويتابع اللميع: يشكِّل تاريخ التابلاين جزءًا مهما من تاريخ بلادنا وتطورها، وهذا الخط العملاق الذي استمر العمل به أكثر من ثلاث سنوات كان له الفضل الكبير بعد الله في إحياء صحراء جرداء لا يوجد فيها ما يؤهلها لأن تصبح مكانًا جاذبًا لاستقرار بشري.

ولا يمكن إغفال التأثيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي أحدثها خط الأنابيب (شركة التابلاين)، وذلك خلال فترة عملها في السعودية، وعلى مدار خمسين عامًا تقريبًا، ولعل الأمر يكون أكثر وضوحًا بذكر أبرز ما قامت به شركة التابلاين في المناطق التي يمر فيها خط الأنابيب، ومنها:

– استقرار البدو الرحل وتوطينهم، وتوفير فرص عمل لهم ولغيرهم من سكان مناطق المملكة الأخرى.

– أكسبت السكان ثقافة ولغة ومهارات من خلال عملهم في الشركة.

– أنشأت مساكن للعاملين بها، ووفَّرت المستشفيات وخدمة الكهرباء.

– أتاحت للسكان الاستفادة من وسائل الترفيه التي أنشأتها, مثل: ملاعب كرة القدم، وكرة السلة، وملاعب للجولف، وصالات (للبلياردو)، وتنس الطاولة، إضافة إلى صالة عرض للسينما.

– أوجدت مطاعم تقدم مأكولات ومشروبات كانت غريبة على الكثير من سكان مناطق المملكة الأخرى, مثل: (الهمبرجر)، و(الستيك)، و(الآيس كريم).

– وفَّرت للسكان الماء البارد والثلج، وأنشأت محطة للمياه وللكهرباء.

– خطَّطت مدينة عرعر بشكل سليم، وعبدت عدد من الشوارع.

– أنشأت في عرعر أول مركز بث تلفزيوني في مناطق الشمال.

– شيَّدت مقار ومباني للأجهزة الحكومية مثل الإمارة والشرطة، وبَنتْ عددًا من المدارس.

– قامت بإنشاء مطارات في عدد من المدن التي يمر بها الخط منها مطار عرعر، الذي كان وقتها مطارًا إقليميًا، وكانت هناك رحلات دولية من وإلى بيروت وعمان.

وغير ذلك الكثير، ويستدرك اللجميع لكن بعد كل ما ذكر أعلاه, هل يمكن أن نشك أو نقلل من الدور الذي كانت تقوم به الشركة؟! وهل يمكن أن يتم كل ذلك دون أن يحدث تأثيرًا – لا يمكن إغفاله – على سكان هذه المناطق في جميع المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وقد يكون هذا التأثير بشكل مباشر خاصة على من عملوا داخل هذه الشركة أو غير مباشر على الآخرين؟!

تأثير التابلاين على التعليم

كما أوضح الإعلامي عبدالعزيز النبط خلال رصده لتأثيرات «التابلاين» الحضارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى السياسية أن «التابلاين» أحدث نقلة حضارية كبيرة في خمس مدن سعودية كان يمر من خلالها، منذ بدء تشغيله عام 1950 وحتى توقفه في 1976.

وقال: إن سكان تلك المدن الذين كان يتجاوز عددهم عند إيقاف التشغيل 500 ألف نسمة، تعلموا في مدارس تعد الأفضل على مستوى المنطقة العربية، فضلاً عن مستشفيات كانت تُجرى فيها جراحات معقدة في الخمسينيات.

وأشار إلى أنه على مدار أكثر من أربعين عاماً لعمل «التابلاين» في السعودية لا يمكن إغفال التأثيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي أحدثها «الخط» في سكان المناطق التي مر من خلالها.

وذكر أن «التابلاين» له دور كبير في استقرار البدو الرحل لتلك المناطق في محافظات النعيرية والقيصومة ورفحاء وعرعر وطريف، وتوفيره لفرص عمل لهم ولغيرهم من آلاف سكان مناطق السعودية كافة.

وبيّن أن من أهم تأثيرات الخط الثقافية والاجتماعية هو إكساب هؤلاء السكان ثقافة ولغة ومهارات لم تكن تتسنى لهم لولا عملهم في «التابلاين»، كما وفرت لمواشيهم الماء من خلال 52 بئراً حفرته الشركة الأمريكية المنفذة للمشروع «بكتل» في المناطق التي يقطعها الأنبوب.

لافتاً إلى أن «بكتل» أنشأت مساكن للعاملين لديها في المحافظات الخمس تتوافر فيها مستشفيات وخدمات الكهرباء و»البرقيات»، كما أتاحت للسكان المحليين الاستفادة من وسائل ترفيهية مثل الملاعب الرياضية، ومطاعم تقدم مأكولات غريبة في ذلك الوقت مثل «الهمبرغر» والآيس كريم، فضلاً عن توفير الماء البارد والثلج. وأكد النبط أن تلك التأثيرات العظيمة على المدن التي مر من خلالها «التابلاين» تستحق أن تُبحث أكثر وتبرز إعلامياً، وأن تروى القصة الفريدة للخط في أعمال سينمائية ودرامية، وقال: إن أجيال عدة من السعوديين وحتى من الأجانب العاملين في الخط يشعرون بانتماء كبير تجاه «التابلاين»، فمنهم ولد في مستشفياتها وآخرون تعلموا في مدارسها وبعضهم استفادوا من «الطفرة» الاقتصادية التي أحدثها الخط.

أثر التابلاين على لغة الأهالي

من جانبه أكد الكاتب والباحث التاريخي مطر عايد العنزي تأثر الكثير من أهالي المنطقة من الذين عملوا في شركة التابلاين بلغة العمال الأجانب، فقد شاع على ألسنتهم استخدام بعض الكلمات والعبارات الإنجليزية، حتى أضحت جزءاً من معجم حياتهم اليومية، ولعل أهم العوامل التي أدت إلى ذلك التأثر هي: تفشي الأمية وعدم معرفة العمال بالأسماء العربية للآلات والمعدات المستخدمة في أعمال الشركة. وكثرة الاختلاط بالأجانب العاملين في الشركة من مهندسين وخبراء وفنيين الذين لا يعرفون اللغة العربية. وحرص العمال على اكتساب اللغة الإنجليزية والإلمام بها كدليل على استيعابهم العمل لنيل الزيادة في الراتب والترقية إلى درجة أعلى. وقيام الشركة بتعليم العمال اللغة الإنجليزية. غير أن الكثير من العاملين في الشركة تعلموا اللغة الإنجليزية أو بعضًا من مبادئها من خلال الاحتكاك والتخاطب أكثر من طرق التدريس، فنجدهم يتحدثون الإنجليزية ولا يعرفون قراءتها أو كتابتها.

وفيما يلي أذكر بعض الكلمات المتداولة عند بعض الأهالي سابقاً والتي لا تزال بعض مفرداتها عالقة في ألسنة القليل.

بينما أشار الباحث الريض جدعان الرويلي إلى أن البرامج الثقافية التي وفرتها الشركة لموظفيها من السينما والمسارح أوجد نقلة حضارية وثقافية جديدة عند أبناء الصحراء «البدو الأقحاح» فتعلموا الكثير من الحضارات الغربية الجديدة على مجتمعهم ولأنهم كانوا يسكنون في بيوت الشعر بالقرب من أعمالهم شرع بعضهم فى بناء بيوت من الطين والحجر لكون الشركة خططت تلك المدن فى البداية تخطيطًا أمريكيًا يتكون من شارع رئيس وشوارع أخرى تتفرع منه بشكل مستقيم وهندسي. كما وفرت لهم الشركة جميع وسائل الترفيه والتسلية من ملاعب للغولف والتنس الأرضي والبيسبول وصالات لعرض الأفلام وملاعب للأطفال وكذلك بث برامج تلفزيونية عبر قناة خاصة بالشركة وكذلك أنشأت مطارات صغيرة لخدمة أعمالها بين محطاتها الداخلية والخارجية.

فأبناء الصحراء شاهدوا تلك الحضارة الجديدة واحتكوا بثقافات أجنبية وتعلموا الكثير منها من جراء التدريب العملي والنظري فركبوا السيارة وتعلموا قيادتها وكذلك تنقلوا بالطيارة ومنازلهم أضيئت بالكهرباء ودخلها التلفزيون أبيض وأسود وأبناؤهم دخلوا المدارس فى حين غيرهم من المدن الكبيرة آنذاك لم يتوفر لديهم أبسط المعطيات لأهالي الشمال فأصبح لهم أصدقاء أوروبيون وأمريكان وتبادلوا معهم الثقافات وبعضهم تزوج من هناك وحصلوا على جنسيات تلك الدول والآن موجود من أهالي طريف بالتحديد من هم في لندن وأمريكا مقيمون إقامة دائمة بجنسيات تلك الدول.

وتابع الرويلي: إن تأثير التابلاين علي هذه المناطق الصحراوية أعطاها نقلة نوعية (حضارية – ثقافية – اقتصادية ــ اجتماعية) حيث استقطبت المنطقة المستثمرين من الداخل والخارج وأصبحوا الآن جزءاً لا يتجزأ من سكان المنطقة الأصليين الذين هم أبناء الصحراء أبناء البادية الرحل حسب التقسيم الجغرافي المتعارف عليه تاريخيًا عن القبائل بالجزيرة العربية وبادية الشام والعراق. والدليل على ذلك أن مدن الحدود الشمالية الكبيرة قبل عام (1948م ــ 1950م) تاريخ إنشاء التابلاين واستخراج آبار المياه لم تكن موجودة أصلاً, من تأثير ما ذكرناه الآن تضاهي المدن القديمة المجاورة لها وتتفوق عليها من ناحية التطور العمراني والحضاري والاقتصادي والثقافي وجميع متطلبات الحياة العصرية الحديثة. والدليل الآن يوجد من المواطنين المتقدمين بالسن الذين حباهم الله بطول العمر من الرعيل الأول من يجيد التحدث والكتابة بالانجليزية، بينما لا يعرفون الكتابة بالعربية ممن عمل بشركة التابلاين في مختلف أقسامها سواء كانوا عمالاً أو إداريين أو فنيين واكتسبوا المعرفة والثقافة بعدما كانوا يركبون المواشي كوسائل نقل ويستغربون من الراديو في أول ظهوره فركبوا السيارات والطيارات وشاهدوا الأفلام بالسينما والتلفزيون وأثر ذلك علي ثقافتهم وشعرهم لدرجة أن بعضهم كان يدخل مفردات إنجليزية في قصائدهم الشعرية.

ومن أشعارهم:

يابنية كان ما تعرفيني

تريني (……………)

اسوق الكنور والهاف

واكلم ريس بيروتي»

وأيضًا هناك من قال:

بليز قف مي من ثناياك قرطوع

بيكوز حبة من يور موت تشفيني

لقد تأثروا كثيرًا بالمصطلحات الغربية ومازالت بعضها دارجة عند أبناء المنطقة.

·شاهدوا السينما قبل أكثر من نصف قرن .. وأكلوا الهامبرغر

·المواطن الشمالي من خلال التابلاين عرف مالم يعرفه أي مواطن سعودي في المناطق الأخرى مدير مكتب صحيفة عكاظ في الحدود الشمالية الأستاذ ثامر قمقوم قال: عندما تذكر عرعر يذكر خط الأنابيب المعروف بالإفرنجية ( التابلاين) والعكس صحيح فالبداية التي كانت من ضخ خط أنابيب بدنة .. كانت وما تزال تعرف بنقطة البداية الحقيقية لنشوء منطقة فتية .. لم تستفد بكل صراحة من طفرة تنموية كانت بأيديها لتكون واحدة من أرقى وأهم المناطق على مستوى العالم لولا أنها على ما يبدو كانت على الأطراف .. وأكد قمقوم أن المواطن الشمالي من خلال التابلاين عرف مالم يعرفه أي مواطن سعودي في المناطق الأخرى .. فقد شاهد السينما قبل أكثر من نصف قرن .. وأكل الهامبرغر .. ولعب التنس الأرضي ..بل وتحدث الإفرنجية من خلال مخالطة العاملين في تلك المحطة التي أصبحت طللا وأثرًا بعد عين .. وكان الاختلاط في تعلم اللغة متنوعا وخليطا بين عدد من الجنسيات الأجنبية وأصبح المواطن الشمالي الذي لا يحمل أي مؤهل دراسي آنذاك ويعمل سائقًا ومراسلًا وخادمًا كان يتحدث اللغة الانجليزية وبطلاقة وما زال بين ظهرانينا منهم الكثير .. لا شك إن تأثير التابلاين الثقافي على الكثير من العائلات في الشمال كان كبيرًا .

محمد هليل الرويلي

في حال وجود إضافة أو تعديل على الموضوع الرجاء إضافة تعليق في الأسفل

لا توجد تعليقات

This Post Has 0 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

CAPTCHA


منشورات مشابهة
Back To Top